"ليكن جلدك غليظآ"
لا أدري أين بالضبط قد قرأت هذه العبارة، و لكنني أدركت حين قرأتها أنها عميقة جدآ، و معناها رمزي و ليس حرفي، المجتمع بطبيعته سريع الأحكام، و أساس هذه الاحكام هي تجارب الناس منذ طفولتهم الى اللحظة التي يعيشونها الآن، و طريقة تفكير عقولهم، و لا أنسى أيضآ طبيعة الأشياء التي يودون الحصول عليها، او طبيعة المشاكل التي يواجهونها، قد يعلقون عليك و يفترضون أشياء عنك، بل و يختلقون عليك القصص بسبب موقف واحد، أو طريقة لبس معينة، او من طبيعة وظيفتك و مكان عملك، أو بروفايل صور عن مرحلة ما من عمرك، و البعض فيهم يؤمن بنظرية الإنطباع الاول و يبني عليها جميع الأحكام التي سوف يطلقها عليك.
كل ذلك يظهر مليآ في طبيعة الاسئلة التي توجه إليك حينما تقابل احدهم اول مرة، سوف يسألون عن اصلك و عملك و ماذا فعلت و ماذا تفعل الآن، و ماذا تملك و كم تجني، هذه الاسئلة احيانآ تكون بصورة مباشرة و احيانآ أخرى بصورة غير مباشرة، لا أحد سوف يسألك عن افكارك و لا عن معاناتك و لا عن كمية العقبات التي تتخطاها كل يوم، رغم ان الجميع يعلم ان ما يصنع الانسان و يبني شخصيته و يظهر حقيقته و جوهره هي افكاره و معاناته و تجاربه، اذكر مقولة لهيلين تقول فيها :
إننا لا يمكن أن نتطور في هدوء و سكينة بلا تجارب، نحن نتطور و نتعلم فقط من خلال التجربة، ففي المعاناة يكمن تعزيز الروح، و استلهام الطموح، و تحقيق النجاح.
ليكن جلدك غليظآ، تعني بكل بساطة، لا تعطي اهتمامآ مبالغآ فيه لأحكام الناس و آرائهم بك، و هذا لن يحدث إلا بعد أن تثق في نفسك و فيما تفعله، أن تكون غامضآ بالنسبة للمجتمع، إحتفظ لنفسك بالجزء الأكبر من خصوصيتك، ليس مهمآ أن يعرف الناس عنك كل شئ، و من الحماقة ان تشارك الاخرين كل شئ في دفتر حياتك اليومية، تحكم بردات فعلك اتجاه الاخرين حين يطلقون عليك احكامهم، و تذكر ان وجود الناس في حياتك في حد ذاته ابتلاء، فأول ابتلاء كتبه الله على البشر أن خلقهم كائنات اجتماعية، يتعذب الإنسان بالإنسان، و لا ينجو إلا بإنسان آخر، من تجاربي الشخصية هناك لغة واحدة فقط يفهمها المجتمع، بغض النظر عن طبيعة المجتمع من حولك.
لغة النتائج، لا تحاول اقناع احد بما لديك، و لا تحاول ان تثبت اي شئ عن نفسك، و لا تحاول ان تنفي ما يعتقده الاخرون عنك بصورة خاطئة، دع المجتمع يلعب دوره كاملآ و دع الجميع يظن ما يظنه، و لكن أظهر لهم النتائج بصورة واضحة، و هنا لا أعني بالنتائج الإنجازات، فالإنجازات تلبي رضى النفس و ذاتها، اما النتائج تجلب لك الاحترام و تضع الآخرين في حدودهم، فمثلآ هؤلاء الذين سخروا من عملك و راتبك، حينما يكتشفون النتائج التي حققتها بنفس العمل و بنفس الراتب و التي قد لا يحققها شخص اخر بوضع افضل منك، لاحقآ هم نفس الاشخاص الذين سوف يتوددون إليك لتكون جزءآ من حياتهم، فالإنجازات تأتي بالمثابرة و الاجتهاد لذلك هي رضى للنفس، اما النتائج تأتي بالإدارة، و الإدارة في ابسط تطبيق لها، هو أن تستفيد أقصى ما يمكن من ما هو متاح لك، و أقل ما يمكن من ما هو غير متاح، أن تستفيد أقصى ما يمكن من قوة الآخرين بما فيهم انت، و أقل ما يمكن من ضعف الآخرين.
إرسال تعليق