تنقضي ايام الاسبوع بصورة بطيئة جدآ، خصوصآ اخر يومين منها، ليأتي يوم الجمعة الذي امضيه كله مع نفسي منهمكآ في فعل الأشياء التي احب دومآ فعلها و لم اجد لها وقتآ كافيآ خلال الاسبوع، مشاهدة احدث الحلقات من الانميات المفضلة لدي، المواصلة في رسم اللوحات التي لم تكتمل، لعب الألعاب الاخرى غير ببجي و التي احب لعبها فقط خلال هذا اليوم، التحدث الى نفسي كالمجنون محاولآ بقدر الإمكان الاختباء من امي لأنها دومآ تحرجني كلما رأت مني هذه العادة بسؤالها لي "مالك بتتكلم كدة ؟" و غيرها الكثير من الأمور، يوم الجمعة بالتحديد اعتبره خطوة رئيسية لمحاربة الثقل الذي اعاني منه منذ سنوات، و اهم ركيزة يرتكز عليها نمط حياتي المتكرر، اليوم الوحيد الذي لا تراني عائلتي فيه إلا في أوقات الطعام رغم وجودي في البيت منذ شروق الشمس الى غروبها.
بالنسبة لي أعتقد أن نظامي لهذا اليوم صحي نفسيآ و صحي عقليآ للغاية، بل و إيجابي أيضآ بغض النظر عن سخافة الامور التي افعلها و خاصة أنه بعيد عن الإدمان البشع للجلسات الاجتماعية او اللقاءات المسائية و الحديث الذي يدور فيها حول حياة الاخرين و السخرية منهم، هي كالوباء الذي يفتك بكثير من الناس، و حينما يتقاطع نظامي هذا مع أنظمة اخرى كتلك، أجد نفسي أتعامل مع الآخرين بطريقة رسمية رغم انه اليوم الوحيد الذي لا نتعامل فيه برسمية، و لو أنني أكره الرسميات، و لكنني أفتعلها لأبقى على مسافة بين نظامي الخاص و بين الناس، فمثلآ لا اتحدث الا عندما اكون مضطرآ لذلك و اذا سألني احدهم اجيبه بإقتضاب و لا اعطيه تفسيرات مطولة و مفصلة، خاصة في مثل هذه التجمعات التي يكون افرادها قادمين للسخرية من بعضهم البعض او من الاخرين، تكثر فيها الاحاديث التي لا اجد نفسي فيها، و تكثر فيها المجاملات بصورة مبالغة، الشئ الايجابي الوحيد في مثل هذه التجمعات هي انها تكشف لي فورآ حقيقة الاشخاص الذين اتعامل معهم، قد اضحك معهم لكنني استمر بمراقبة كل كلمة تخرج منهم، كل فعل، كل نظرة، كل فكرة، بل حتى مراقبة لغات اجسادهم، و الجيد في الامر انني دائمآ ما اجدهم عفويين و طفوليين رغم إختلاف اعمارهم.
أظن أنني أبذل مجهودآ هائلآ لكي أبدو إنسانآ طبيعيآ بينكم، و لكن للأسف، فبرغم كل هذا الجهد الذي أبذله لأنخرط في الحياة الواقعية و برغم كل القسوة التي أمارسها احيانآ على نفسي في إخفائي لمشاعري الخاصة أثناء طريقي لتحقيق هذا الهدف، و برغم الاحراج الذي اسببه لكم بسبب صراحتي و وضوحي و عدم مجاملتي اياكم، في آخر هذا الاسبوع و بسبب صديقتي المقربة إكتشفت أنني قد اكون فعلآ لا افقه شيئآ و ان الانسان مهما بلغ من الثقافة حدآ و مهما قرأ من الكتب عددآ، لا يمنحه هذا ما تمنحه اياه الخبرة، و اعني هنا خبرات الإنسان الاجتماعية، صعقت و شعرت بفراغ يسري في عقلي و برود شل اوصالي حين اكتشفت انني لا شئ، و الغموض الذي اعيش فيه لم يمنعني من اخفاء ما شعرت به، لقد اعترفت لها تمامآ بمدى السهاتة التي غمرتني وقتها و هو الامر الذي لم افعله يومآ مع احدهم، لأنني اغلق نفسي على نفسي و لا اسمح لأي بشر من الاقتراب كثيرآ، لكنها اقتربت مني الى احد لم تستطع حتى عائلتي من الاقتراب منه، لا بد أن الخنجر الذي يثقب الانسان في الموضع الذي تجتمع فيه كينونته بأكملها في لحظة ما، يخرج أثرآ أكثر ألمآ من الالم الجسدي على وجهه، هذا الاثر لا يستطيع الانسان ان يخفيه مهما بذل من مجهود في ذلك، و لا ترممه أية عملية نفسية تجميلية لحظية حتى و ان كان الانسان طبيبآ نفسيآ ماهرآ فيما هو قادر على فعله، هذا الاثر يبقى واضحآ جليآ في ملامح من مر بتجربته حتى بالنسبة لمن يتمتعون بغباء فطري طافح او بأشخاص مثلي ماهرين في اخفاء الامور ببراعة تامة.
الشعور الذي غمرني وقتها كان بالنسبة لي مدمرآ على نحو جنوني، مريع بشكل مخيف بحيث عصف بكل ما كنت اظنه او اعتقده في نفسي ببراعة تامة، و برغم ذلك لم يغضبني الامر كثيرآ، و لم اهرب منها مثلما دومآ اهرب من الاخريات، و ذلك لعلمي اليقين ان ما فعلته من اجلي لا تريد منه مقابل، يا الله ما أوسع الإنسان و أضيقه، و ما أبعد مداه و أقربه، و ما أسرع فكره و أبطأه.
ربنا يوفقك يا رب
ردحذف