برنامج قلبي اطمأن لصاحبه غيث، هذا البرنامج الذي وضعت له شروط خاصة بي لمشاهدته، لا أشاهد الحلقة إلا من هاتفي إذ ان علاقتي بالتلفاز عمومآ علاقة سيئة، لا اشاهدها إلا عندما اخلو بنفسي إذ انني اعتدت ان ازرف دموعي معه، اشاهد جميع حلقاته غالبآ بعد منتصف الليل اذ انها تشد من جأشة قلبي، و تحفزني على ممارسة عادتي بأن انام يوميآ و ليس في قلبي شئ من حقد او كره على احد، ادقق في التفاصيل و في العبارات التي تخرج من كل هؤلاء البسطاء اكثر مما يقوله غيث او مما يقدمه لهم.
لطالما احببت البساطة و احببت حياة البسطاء، و لطالما كرهت المظاهر و حياة الخيلاء، و هذا ما كان يشدني اكثر لهذا البرنامج، لطالما امنت ان الله يحفظنا بسبب وجود هؤلاء البسطاء حولنا، البسطاء الذين نراقبهم من بعيد دون ان نبدي اي خطوة امامية اتجاهم، البسطاء الذين نغير اماكن جلوسنا بمجرد جلوسهم بقربنا، البسطاء الذين انجبهم المجتمع و من ثم انكرهم و من ثم عزلهم و من ثم منحهم ألقابآ و صنفهم و مارس عليهم كل ما هو متاح، مبررآ لنفسه اسباب لا يقبل بها اي انسان سليم.
الانسان يبقى انسان بما لديه في قلبه و ليس بما لديه في جيبه، الانسان قلب قبل ان يكون شكل، اوليس الذي يبكينا و نحن نشاهد هذا البرنامج ان هؤلاء البسطاء اكثر انسانية منا، اوليس الذي يجعلنا نتابعه لاننا نجد فيهم ما فقدناه نحن في انسانيتنا و نفوسنا و بيوتنا و اباءنا و ابناءنا، اوليس هم الذين يحبون الله اكثر منا، يشكرون الله اكثر منا، يحمدونه اكثر منا، لطالما شعرت ان السعادة معهم رغم بساطتهم، لا زلت اتذكر ذلك الكفيف الذي منحه غيث على ما اظن "كشك السعادة" و الذي قال لغيث دون ان يراه و دون ان يعرفه "انت اخي في الله" و ظل يشرح له معناها، لا زلت اتذكر رد زوجته الكفيفة ايضآ حين قالت دون تردد "انا سعيدة معه" و الناظر لحالهم قد يبدو له ان ما يجده الحيوان منا من رعاية قد يكون اكثر مما قد يجدونه هم منا، عرفت ان الله جازاهم بدخول الجنة بعد الانبياء و الرسل و قبل الاغنياء، لا لشئ و انما لأنهم اكثر الذين يعرفونه و يذكرونه.
نحن نقتني الكثير من الأشياء التي تزيد عن حاجتنا و نستخدمها لأننا فقط نؤمن بأننا نمتلكها، لا لأنها ضرورية، كم من الأشياء التي نشتريها، لا لحاجتنا لها، بل لأننا رأيناها عند الآخرين، او خيل لنا انها من السعادة، و فوق كل ذلك نتمنى لو ان الله حبانا ذلك النور الروحاني و تلك الطمأنينة و ذلك الرضى الذي حباهم به، و فوق كل ذلك سيمضي رمضان و سيمضي معه برنامج قلبي اطمأن و ستنسى كل تلك الدموع التي ذرفتها و ستعود من جديد الى حياتك التافهة هذه، جزءآ من هذا المجتمع التافه.
إرسال تعليق