لا زلت اتذكر أول يوم رأيتك فيه جالسة على كرسيك، واضعة رجلك اليمنى على اليسرى، كنت وقتها أطيل النظر في عينيك دون رغبة مني في التوقف او حتى فعل ذلك بشكل لائق يحاكي الادب و الاخلاق الفاضلة الحميدة، كانت تبدو الاخلاق و تحاشي النظرات جريمة كبرى لن أسامح عليها نفسي قط، و من حسن الحظ كنت وقتها مشغولة بهاتفك، لا ترجف جفونك و لا يتحرك بؤبؤا عيناك عن شاشته المضيئة، كانت هناك ابتسامة شفافة صادقة على شفتيك، خلت وقتها ان سعيد الحظ قد ارسل لك طرفة ظريفة او انه كان يغازلك وقتها واصفآ جمال حسنك، فمن غير المعقول ان تكون محاضرتك اقل اهمية عندك من رسائلك الالكترونية، انتهى الدرس وقتها و انتهى اللقاء و أنا أشعر أنني لأول مرة أخسر في معركة عدم الاكتراث و اللا-مبالاة اتجاه الاخرين، اخسر امام شخص امضى اكثر من ساعة في غرفة دراسية لم يخرج منها بفائدة تذكر.
شاءت الاقدار ان يمضي بنا الزمن لأجدك امامي يومآ حاملة مفكرتك الدراسية البسيطة، طالبة مني شرح الدرس ذاته، لأكتشف بعدها انك انثى مثل الفراشة، رقيقة جدآ، جميلة جدآ، مهملة جدآ، تهوى الا تصدم نفسها بأقدار السيئين و ألسنة الحاقدين و الكارهين، مثل الفراشة تحط على القلب المريض فتشفيه، تمنح البائسين نعمة الفرح، و مثقلي الهموم خفة الروح و حس الحياة، مثل الفراشة تظهر فجأة فتهدي قلوب الصغار فتات من الامل و تسرق عقول الكبار، تخلق لوحة جميلة لحظية في زمن لا جمال فيه، تتعمد الهرب لتبدو طيبة و ضعيفة فيظن ذوي القلوب السوداء انه من السهل جدآ ان تفقد قيمتها عند الناس فيسحقونها أو تهان، مثل الفراشة تمنح العالم من حولها لونآ و بلسمآ بلا مقابل فيكافؤها بلا-شئ.
هل ترضى نفسك الطاهرة يا لليان أنني قاطف الورد كلما شاهدت وردة اتذكرك ؟! .. كيف نجح كل من قاطف الورد و الفراشة في خلق علاقة قوية في حين انه لا يؤمن هو على خلافها هي بضرورة اهمية العلاقات الاجتماعية ؟! .. ما زالت الطيبة تتسرب من قلبك عبر عروقه الى لسانك فيخرج صوتك وقورآ و هادئآ و طيب الكلمات، كلما نظرت داخل عينيك ارى ذلك الفضاء السرمدي الذي يذكرني بما قاله ذلك الفيلسوف اليوناني - اسمه صعب - "قلت لشجرة اللوز حدثيني عن الله فأزهرت شجرة اللوز" لأعرف جيدآ ان علاقتي بك لن اكون نادمآ عليها و ان انتهت مثل كل العلاقات على رصيف طريق مهجور.
ربما نمثل أنا و أنت يا لليان أغنية مصطفى سيد احمد "عارفني منك" فنحن و ان تشاركنا في شئ فلن يكون سوى لأننا نعرف كيف نعيش حياتنا بهدوء و حب دافئ و عميق يجعلنا لا نهتم أصلآ بإثارة الناس من حولنا، فلطالما تخيلتهم يحسدوننا على هذا الهدوء، أتذكرك الآن بصورة مختلفة، حبيبتي، صديقتي، اختي، طالبتي، كلا ليس أيآ منها، انما اتذكرك لأننا نحن رفقاء الزمن المنسيين الذين لم تشفع لهم الحياة و لا الناس بأن يكونوا محفورين في ذكرياتهم، و اختار لهم الله ما يكفل لهم جوعهم من الفرح، أنت و أنا سعيدين أسعد مما لو كنا بعيدين من بعضنا، فالله يا صغيرتي زرع في قلبينا بذرة السعادة منذ ان لامست يدي الخشنة الآثمة يدك الناعمة الطاهرة.
إرسال تعليق