الخامس من اكتوبر في العام الثامن عشر بعد الالفين، هل تتذكرين هذا التاريخ، انه اليوم الذي جمعتنا فيه الصدفة عندما وجدتك طالبة امامي، اكملت وقتها تلك المحاضرة بنفاذ صبر بالغ لأكتشف في اليوم التالي انك قمت بتغيير الفصل الدراسي، الحقيقة وقتها لم يكن الامر يعني شيئآ بالنسبة لي، كان من الممكن ان افعل نفس الشئ كما فعلت و لكن ما كان يضر اكثر، هو تلك الإشاعة التي اطلقتها بين الطلاب و هي انني رجل متزوج، هل كانت محاولة منك يحركها احساسك بالغيرة لتبعدي عني ذوات الشعر المدهون، او ربما جاءت لا ارادية لتدافعي بها عن نفسك من سؤال محرج اتجاهي جاء من احدى زميلاتك.
مما لاشك فيه هو، انك صرت هشة جدآ لدرجة تثير الشفقة في نفسي، لقد احببت جموحك و صلابتك و لكنني لم استطع حتى اللحظة ان اتقبل الجانب الهش منك، صرت عندما اراك امامي اتخيلك في خيالي لحظة بلحظة، اتخيلك في رحم امك الجميلة التي احترمها كما احترم امي، و كيف ان جوفها العضلي الدافئ الرطب و الحنون يمدك بالدماء و الغذاء، و كيف تعيدين لها ما لا تحتاجينه الى مشيمتها، ذاك الرحم هو المكان الأنسب لفتاة مثلك، حيث انني لم اتقبل حتى هذه اللحظة كيف انك استطعت ان تتكيفي في مكان بتلك الظلمة، لانني حين اراك ضعيفة و هشة صرت اخمن كيف ان هذا العالم مكان قاس و مرعب بالنسبة لك كما هي افلام الرعب، كان رحمها ملاذك الآمن حيث امضيت فيه تسعة اشهر بلا قلق و لا خوف و بالتاكيد بلا وجودي فيه، اظن انك قد حظيت بود طويل و رعاية تامة طوال الوقت، اليس كذلك ؟.
ثم بعد ان خرجت الى الدنيا، لازلت اتخيل قدميك الصغيرتين و يديك الناعمتين بعظمك الهش و اللين، كيف تلعبين و كيف تصرخين و كيف يقوى جسدك من صدر امك، ثم اتخيل الندبات و الجروح التي اصابت جسدك جراء محاولات المشى و الزحف على الارض، و اشعر بالسعادة تملأ نفسي حين اتخيلك بثيابك الملونة او حافظات الاطفال المليئة بالرسوم المتحركة، ملابس الروضة و جواربها و قبعة الشتاء التي تكاد تكون ثقيلة علي راسك و انزعاجك من امك حين تخبرك، بعدم اللعب في التراب و الطين و الركض، حتى الأحذية الكبيرة المقاس التي كنت ترتدينها و تجرينها خلفك بخطواتك المتعرجة ثم ترمينها بطريقة مضحكة و انت تصرخين حين تكتشفين انها تعيق حركة قدميك، وقوفك امام المرآة و تقليدك لأمك حين تستخدمين ادوات التجميل الخاصة بها، بعد ان يمتلئ وجهك وجسدك بمختلف الالوان و العطور، شفاهك الجافة و صدرك الذي يصبح قاسيآ اثناء نزلات البرد الشتوية القاسية، اتخيلك في المدرسة فينقبض قلبي عليّ حين اتذكر اشياء كثيرة ربما قد حصلت معك، تعثرك على السلالم و سقوطك منها، التنمرات اللفظية التي ربما صدرت من فتاة غيورة غبية تجاهك، اذى جسدي او ضربة يد او حجر صدرت من صبي شرس المعاملة طائش و اهوج، حتى تلك المعاملة السيئة التي ربما جاءت من قبل معلمة فاشلة، كل هذا اتذكره و اتخيله بمجرد ان اراك امامي ضعيفة، و ارى كم ان وقع هذه الاحداث كان شديد عليك حتى اوصلتك لهذة الهشاشة.
لن انسى دراستك الجامعية، هنا بصراحة لا استطيع إلا ان اتخيل انوثتك الطاغية، و عفويتك و تفردك بذلك الجمال الذي لربما سبب لك معناة طاحنة، اتخيل اصدقاء و زملاء دراستك اولئك المحظوظين الذين امضوا معظم الاوقات التي لم امضيها معك انا، جلسوا معك على نفس المقاعد الدراسية، خرجوا معك الى العديد من الاماكن و تقاسموا معك العديد من الاوراق العلمية في مجال دراستك، و كم هم خائبون و محبطون، لانك لاتزالين وحيدة حتى الان، فيقع في ذهني احتمال انني السبب في ذلك، انني لربما كان لي دور خفي دون علمي و ارادتي لتقابلينهم بالرفض جميعآ و اجدني ابرر لنفسي خالقآ عذرآ سخيفآ لها و هو، انهم جبناء لأن احدآ منهم لم يمتلك الشجاعة الكافية ليخطفك مثلما فعلت انا.
لكن في النهاية لا يسعني سوى ان اقول لك، انك لم تكوني مطلقآ بالنسبة لي مجرد علاقة خضعت لنظرية الاحتمالات، فحتى احتمالات خسارتك او الفوز بك لم تكن متضمنة فيها، لذلك لا يهون علي ما بيني و بينك و لن يهون، و الحقيقة هي انني كنت اعتبرك حياة كاملة و مستدامة، فلم اكن فقط ارغب بالبقاء معك او كما يقدس الحب الشريك في مفهوم الامتلاك، و لكنني كنت ارغب بالموت معك، و كنت اعرف جيدآ كما اعرف نفسي، انني كنت اريد ان اكون على حجرك في اليوم الذي سيستقبل فيه العالم انفاسي الاخيرة و اتشاركها معك لكي اودع العالم و انا راضي كل الرضى، و ان اتغمص الموت حينها بالسعادة، لانني كنت اعرف انك حينها لن تكوني هشة بل قوية و صلبة كما عهدتك رغم انهيار دموعك، و انما من اجل كل هذا قد آلمني اكثر من اي شئ اخر ان اراك بتلك الحالة، لقد آمنت بك و لكنك لم تفهمي و لم تقدري هذا الامر، و لكن على كل الحال لا يمكنني سوى ان اقول لك، كوني قوية جموحة كما عرفتك.
جميييل وسرد مشوّق جدا تباارك الله بس
ردحذف