كان يمكنني ان اكون طبيبآ يفكر في علاج للأمراض الفيروسية القاتلة، يحلل دورات حياتها ليكتشف ثغرات يمكن ان تكسرها، او يدرس طبيعة عملها و فتكها بالجسد ليكون سببآ في صناعة سلاح بيولوجي قاتل، و لكنني إخترت أن أكون مهندس معادن و لكم ان تتخيلوا الفرق الكبير بينهما، في المكان و طبيعة العمل و نمطية التعايش، كان من الممكن ان اكون رسامآ او موسيقيآ و لكنني إخترت ان اكون كاتبآ مبتدئآ بسيطآ عاديآ بخيال فقير و مشاعر بالية، تتلاعب به أحرف اللغة قبل ان يتلاعب بها، و لو أنني فضلت الموسيقى او الرسم على الكتابة ما كنت تحولت تحولآ كاملآ و فكريآ الى الكلام كرد فعل عن سخافاتي و حماقاتي و تجاربي و ضعفي او نجاحاتي و نظرتي للحياة و قوتي و طموحاتي و احلامي، كنت إكتفيت بهما -الموسيقى و الرسم- خيالآ و لغة لا تقرأ و حياة تستحق ان تعاش دون ان تكون مجبرآ للحديث عنها للناس، كان يمكنني ان اكون استاذآ بجامعتي يدرس طلابه عن نظرية التعويم و مبادئها و اسس الفصل الفيزيائي و طرقه و الصناعات الفلزية و اللافلزية، و لا أنسى الفصل الكيميائي و الاستخلاص و تقويم الخامات و التحليل المجهري للمعادن، و لكنني اخترت ان اكون استاذ لغة انجليزية، استاذآ غريبآ يمضي جل وقته في تبسيط قواعدها محاولآ بأي طريقة ان يربطها باللغة العربية، كان يمكنني ان اكون ضابطآ في الجيش و لكنني أخترت أن أكون مواطنآ سودانيآ عادي و بسيط، يستيقظ كل صباح ليدخل في صراع مع الحياة و مع صفوف الإحتياجات اليومية و صفوف المصالح الحكومية.
إرسال تعليق